العدد 1338 / 21-11-2018

أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أنَّ «إِقامَةَ الحُكومةِ التي تَصُونُ الأُمَّةَ ليسَتْ وَاجِباً وَطَنِيّاً فقط، بل هي ضرورةٌ ومسؤوليةٌ وطنيةٌ جَامِعَة»، مجدِّداً الوقوف مَعَ الرَّئيسِ المكلفِ سعد الحريري، الذي يُناضِلُ مِنْ أجلِ تَشْكيلِ حُكومَةٍ قَادِرةٍ ومُنْسَجِمَةٍ تُنْقِذُ مَا يُمْكِنُ إنْقاذُه، ومشيراً إلى أن «تفاؤله بِوِلادَةِ الحُكومَةِ مُستَمِرّ مهمها تَنَامَتِ العَقَبَات»، ومعلناً عن أنّ «الأَزْمَةَ الحكومية المُسْتَحْدَثة ليسَتْ عُقدَةً سُنِّيَّةً كما يَظُنُّ البعض، بل هيَ عُقدَةٌ سِياسِيَّةٌ مُسْتَحدَثَةٌ بِامْتِيَاز، يَنْبَغِي حَلُّها بِتَعَاوُنِ القُوَى السياسية، وبخاصةٍ رَئيسَ الجُمهورية، والرئيسَ المُكَلَّف، دُونَ أنْ يَكونَ هُناكَ غَالِبٌ أو مَغلُوب»، ومعرباً عن خْشَيته بَعدَ أنْ تُحَلَّ العُقدَةُ المُسْتَحدَثة، أنْ يكونَ هناك عُقَدٌ أُخرى مَخْفِيَّة.

وجّه المفتي دريان رسالة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، ومما جاء فيها: «تَهِلُّ علينا في شهرِ ربيعٍ الأولِ مِنْ كلِّ عام، ذِكرى المولِدِ النبويِّ الشريف، وهي ذِكرى يَحْتفِي بها المسلمونَ، في مَشارِقِ الأرضِ ومغاربِها، وتَحوطُها إشراقاتُ الفرحِ والسعادةِ، والبهجةِ والحُبُور، بقَدْرِ ما يُجِلُّ المسلمون نبيَّهم، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، فقد أنْعَمَ اللهُ على الدُّنيا كلِّهابمولدِ خَاتَمِ رُسِلِه وأنبيائِه، محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم، الذي أرسلَهُ رَحْمَةً للعَالَمِين، وفي يَومِ مَولدِ الرسولِ المُصْطَفى مِنْ كلِّ عام، اِعْتَدْنا أَنْ نلْتَقِيَ في رِحَابِ نَبِيِّنا الكريم، نتزوَّدُ من سِيرَتِه العَطِرة، ونتأسَّى بخُلُقِهِ العَظِيم الذي تَوَّجَ بِهَ مسِيرَةَ الخَيرِ والعدلِ والسَّلامِ، أفضلَ تَتْوِيج.

وأضاف: «إنَّ الاحْتِفاءَ بِمَولِدِ نبِيِّ الرَّحْمَة، هُوَ احْتِفاءٌ أيضاً بِمَكَارِمِ الأخلاق، التي كانَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَمَاً عليها، قَبلَ الإسلامِ وَبَعْدَه . وَمَا أحْوَجَنَا اليومَ ، إلى الخُلُقِ السَّمْحِ وَالوَدُودِ وَالوَفِيِّ والرَاقِي، في أُسَرِنا وَمُجْتَمَعِنا وَحَيَاتِنَا السِّيَاسِيَّة. هناكَ اليومَ في حياتِنَا العامَّة أمراضٌ كثيرة، تأتي في طليعَتِها الأمراضُ الأخلاقِيَّةُ المُنْتَشِرةُ في الإعلام، وَوَسائلِ التَّواصُل، وفي علاقاتِ النَّاسِ بَعْضِهِم ببعْض، لا يَرعَى الخُصومُ وأحْياناً الحُلفاءُ والأصدِقاءُ لِبَعْضِهِمُ الحُرُمات، لا في الجِدالِ السِّياسِيّ ولا في العلاقاتِ الشَّخصِيَّة»، مؤكداً أنَّ «الفَرْعَ الآخَرَ مِنَ المُشْكِلةِ الأخلاقِيَّة، ذلِكَ الذي يَتَعَلَّقُ بِمَا يَعْتَبِرُهُ البَعْضُ حُرِّيَّاتٍ شَخْصِيَّة، لكِنَّ الحُرِّيَّةَ فيها أخلاقٌ أيضاً، أو أنَّها هي ذَاتُها رُكْنٌ أخلاقِيّ، لا أعرِفُ كيفَ تَكونُ الحُرِّيَّةُ فَوقَ الأخلاقِ أو ضِدَّهَا»، ومشيراً إلى أنَّ «ظَواهِرَ التَّفلُّتِ والخُرُوجِ على المَعْروفِ والمَأْلُوف، هي أُمورٌ لا يُمْكِنُ قَبُولُها، مَهْمَا كانتْ حُرِّيَّاتُ الرَّأْيِ والتَّعْبيرِ والتَّدبيرِ مُقَدَّسةً وَمَصُونة. وهذا المُسْتَوَى الأخلاقِيُّ المَطلوب، لا تُفيدُ في بُلُوغِهِ العُقوباتُ القانونِيّة، ولا حَمَلاتُ رِجالِ العِلمِ وَالدِّين؛ بل لا بُدَّ مِنْ وَعيٍ مَسْؤول، يَضَعُ الأُمورَ في نِصَابِها، في الأُسَرِ وَجَمْعِيَّاتِ التَّوعِية، وَالخِدْمَةِ الاجْتِمَاعِيَّة، والذي نُريدُ التَّنْبِيهَ إليه، أنَّ قِسْماً مِنَ التَّهَافُتِ الأخلاقِيّ، لا تَرْجِعُ عِلَّتُهُ إلى تَطَلُّبِ الحُرِّيَّاتِ الشَّخْصِيَّة؛ بل إلى الفَقْرِ وَالحَاجة. وَالمُجْتَمَعُ المُتَكافِل، هو الذي يَسْتَطيعُ التَّصدِّيَ لهذه المُشْكِلة، بِالعِلاجِ والرِّعايةِ والعِناية.

وأردف المفتي دريان: «نَعَم، إنَّ إِقامَةَ الحُكومةِ التي تَصُونُ الأُمَّةَ وَتَحْفَظُ مَصَالِحَهَا، والسُرعةَ في تشْكِيلِها، ليسَتْ وَاجِباً وَطَنِيّاً فقط؛ بل هي ضرورةٌ ومسؤوليةٌ وطنيةٌ جَامِعَة، تَقَعُ على عَاتِقِ كُلِّ القِوى السِياسيَّةِ التِي عَلَيْها تَسْهِيلُ تَشْكِيلِها، لأنَّ البلادَ وَصلتْ بالفِعْلِ إلى حَافَةِ الانْهِيَارِ الشَّاملِ اقْتِصادِيَاً ومَالِيَاً وَمَعِيشِيَّاً واجْتْمَاعِيَّاً، ولذلِكَ كُلِّه، نحنُ مَعَ الرَّئيسِ المكلفِ سعد الحريري، الذي يُناضِلُ مِنْ أجلِ تَشْكيلِ حُكومَةٍ قَادِرةٍ ومُنْسَجِمَةٍ، تَتَصَدَّى لِلمُشْكِلات، وَتُنْقِذُ مَا يُمْكِنُ إنْقاذُه، وإلا فلِمَاذا الانْتِخَاباتُ وَالتَّمْثِيلُ والمُحاسَبةُ وَالمَسْؤولِيَّة؟.

ولفت إلى أنّه «تَحُلُّ ذِكْرَى المَولِدِ النَّبَوِيِّ الشَّريف، مَعَ ذِكْرَى الاسْتِقلال، وَيَومَها اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ السِّيَاسِيِّين الوَطَنِيِّين، على الحُصولِ على الاسْتِقلالِ، وَإقامَةِ دَولةِ المُوَاطَنَةِ وَالحُكْمِ الصَّالِحِ والرَّشيد، ونحنُ نَعْلَمُ أنَّ اللبنانيِّينَ اخْتَلفوا كَثيراً بعدَ الحُصولِ على الاسْتِقلال، لكِنَّهم ما اختلفوا يَوماً على عَيشِهِمُ المُشْتَرَك، وعلى وَحْدَةِ وَطَنِهِمْ وَدَولتِهِم، وعلى أنَّ الحُرِّيَّةَ والاسْتِقلال، قِيمَتَانِ لا يَصِحُّ التَّخلِّي عَنْهُمَا، أوِ المُساوَمةُ عليهِمَا،أمَّا القيمةُ الثَّالثة، التي يَنْبَغي الحِرْصُ عليها، فَهِيَ الحُكْمُ الصَّالِحُ والرَّشيد، ولا يَقومُ الحُكْمُ الصَّالِحُ إلا بِعَمَلِ المُؤسَّساتِ الدُّستورِيَّةِ مَعاً، أيِ الرِّئاسةُ والسُّلطةُ التَّنفيذِيَّة، والسُّلطةُ التَّشْريعِيَّة، ونَحْنُ نَعْلمُ أنَّ السُّلطةَ التَّنفيذِيَّة، التي تَقومُ عليهَا حُكومةٌ مَسْؤولة، في أزمةٍ الآن، لأنَّ الحُكومةَ لم تُشَكَّلْ بَعد: لِماذا لا تَتَشَكَّلُ الحُكومةُ وَسْطَ هذه الأزْمةِ الاقتِصادِيَّةِ والسِّياسِيَّة، وَضِيقِ العَيشِ على المُواطِنين، والاضْطِرابِ السَّائدِ في المَنْطِقة؟ إنَّ هذا الأمرَ غَيرُ مَقبولٍ ولا مَعْقول.

وأعلن المفتي دريان عن أنَّ «دارَ الفَتوَى تَعتَبِرُ أنَّ تَأْخيرَ تَشكِيلِ الحُكومة يَعُودُ لِخِلافٍ سِياسِيٍّ، وَمَنْ يُشكِّلُ الحُكومَةَ هُوَ الرَّئيسُ المُكَلَّف، بِالتَّعَاوُنِ والتَفَاهُمِ مَعَ رَئيسِ الجُمهورية، وَلا يَجُوزُ فَرْضُ شُروطٍ عليهِمَا مِنْ أيِّ طَرَفٍ سِيَاسِيّ، بل تَمَنِّيَاتٌ واقتراحَات، وذلك انسجاماً مَعَ تنفيذِ الدُّستورِ واتفَاقِ الطَائفِ نَصاً وَرُوحاً، وَتَطْبِيقِ النُصوصِ الدستوريةِ كاملةً مِنْ دُونِ انتِقَاء . وَنُحَذِّرُ مِنْ كُلِّ هذا العَبَثِ وَالتَّلاعُبِ بِمَصِيرِ الوَطَنِ وَالدَّولةِ وَمُؤَسَّسَاتِها والمُجتَمَع، الذي لا يَقْبَلُهُ اللبنانيونَ الحَريصُون على التَّوَافُقِ الوَطَنِّي، ودارُ الفَتوَى تُطالِبُ الجَميعَ بِالتَّبَصُّرِ في مَوَاقِفِها وَتَصْرِيحَاتِها، اِستناداً إلى الثَّوابِتِ الوَطَنِيَّة، وعدمِ الخُرُوجِ عليها، وَالالتزامِ بِالدَّولةِ وَالدُّستُورِ وَالنِّظَامِ العَامّ، وَبِاتِّفَاقِ الطَّائف، فَهِيَ ثَوَابِتُ لا يُمكِنُ التَّفرِيطُ بها، مَهمَا اختَلَفَتِ الآراءُ وَالمَوَاقِفُ السِّياسِيَّةُ بينَ القِيَادَاتِ اللبنانية، وَمِنْ وَاجِبِنَا أَنْ نُنبِّهَ إلى مَخَاطِرِ العَرقَلَة، وَتأثِيرَاتِها السَّلبِيَّةِ على الاسْتِقرَار، وَتَضَامُنِ اللبنانيين وَوَحْدَتِهِم، وعلى العَلاقَاتِ بَينَ اللُّبنانِيِّينن، إنَّ الثَّابِتَ لَدَيْنَا في الأَمْر، هُوَ مَا يَنُصُّ عليه الدُّستُورُ واتفاقُ الطائف.