العدد 1341 / 12-12-2018

اعاد التحرك الرئاسي الذي بدأه الرئيس ميشال عون عبر جولة المشاورات السياسية التي بدأها باللقاء مع الرئيس المكلف سعد الحريري ، ثم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ، الذي اعاد الحياة الى المياه الراكدة في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن وصلت الأمور الى حافة الهاوية . أولاﹰ مع حادثة الجاهلية التي جرى استغلالها سياسياﹰ وأمنياﹰ للنيل من الرئيس الحريري ومن فرع المعلومات ، باعتباره جهازاﹰ امنياﹰ مقرباﹰ من رئاسة الحكومة ، وثانياﹰ من خلال الحديث عن نيّة رئيس الحمهورية ميشال عون توجيه رسالة رئاسي~ة الى مجلس النواب يشرح فيها ما آلت اليه الأمور في موضوع تشكيل الحكومة ، ووضع موضوع تشكيل احكومة بيد المجلس النيابي ، وهذا ما فسّر كأنه طلب رئاسي لسحب التكليف من الرئيس سعد الحريري ، وقد أثار هذان الموقفان ردود فعل كبيرة على المستويين السياسي والطائفي ، حيث رفض رؤساء الحكومة السابقون وحتى البعض من النواب المسلمين السنة فكرة سحب التكليف من الرئيس المكلف لأنهم اعتبروها انتقاصاﹰ من صلاحيات رئاسة الحكومة ، وتمثل في حال قبولها والعمل بها خللاﹰ في التوازن الطائفي في البلد . وكذلك الأمر على الصعيد الشعبي الذي رأى أن النيل من الرئيس الحريري بهذه الطريقة يعني النيل من الطائفة السنية ككل .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تنجح المشاورات السياسية التي بدأها الرئيس عون في حلّ المشكل الحكومي القائم ؟

في البداية لا بد من التأكيد على نقطة هامة ، هي أن العقدة الحكومية ليست عند الرئيس عون ، وايضاﹰ ليست عند الرئيس المكلف سعد الحريري ، الذي أنجز التشكيلة الحكومية بالتشاور مع الرئيس عون قبل الظهور المفاجئ لعقدة تمثيل النواب السنة في فريق 8 آذار .

ولذلك يجب النظر أولاﹰ الى مضمون المشاورات الرئاسية التي يجريها الرئيس عون ، التي بدأها أولاﹰ مع الرئيسين الحريري وبري على أن تستكمل هذه المشاورات مع باقي الكتل السياسية الفاعلة ولا سيما "حزب الله" الذي يمسك بيده حل عقدة تشكيل الحكومة .

وفي هذا الاطار بدا الرئيس الحريري متفائلاﹰ بحذر بعد لقائه الرئيس عون ، وكذلك الحال مع الرئيس بري ، وقد عبّر الرئيس الحريري عن حذره بقوله بعد لقائه الرئيس عون : "لا أحب أن أعيش في السلبيات ، وأرغب دائماﹰ في التعاطي الايجابي ، والتركيز على وجود حلول يمكن السير بها ، سوف اغادر البلد غداﹰ وعندما أعود سيكون فخامته قد استكمل مشاوراته ، ان شاء الله سنثل الى حلول" . ويظهر هذا الموقف للرئيس لحريري ان الأمور ليست محسومة ، وانها بحاجة الى تفاهم مع فرقاء آخرين وعلى وجه الخصوص "حزب الله" ، ويؤكد ذلك قول الرئيس الحريري "هناك من يرغب في تشكيل الحكومة ، فيما هناك من لا يرغب في ذلك ، وفخامته وأنا شخصياﹰ مع التشكيل" . وترافقت مواقف الرئيس الحريري المتفائلة بحذر مع مشاورات الرئيس عون السياسية مع تأكيدة مجدداﹰ على صلاحياته الدستورية التي منحه اياها اتفاق الطائف فقال : "البعض يرغب في التفسير على هواه ، الدستور واضح وفخامة الرئيس ملتزم به كما نحن ومجلس النواب أيضاﹰ ، ويمكن لمن يريد أن يكتب ما يشاء" . هذا يعني ان الرئيس الحريري يقبل أي حل سياسي فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ، طالما لا يتعاؤض ذلك مع الدستور اللبناني وصلاحيات الرئيس المكلف .

هذا الموقف الايجابي للرئيس الحريري يضع الكرة مجدداﹰ في ملعب "حزب الله" الذي كان له موقف لافت قبل الاعلان عن المشاورات الرئاسية اعتبر فيه النائب محمد رعد ان "مشكلة التعطيل في تشكيل الحكومة داخلية وتحديداﹰ عند الرئيس المكلف الذي يخطئ الحساب، وليس على الناس ان تتحمل هذا الخطأ" ، وقد ترافق هذا الموقف من الرئيس الحريري مع اشاعة مصادر مقربة من الحزب تقول "ان خيار الحريري قد لا يبقى مطروحاﹰ على الطاولة الى ما لا نهاية"، ومع أن النائب فيصل كرامي رفض اعتباره مرشحاﹰ بديلاﹰ للرئيس الحريري ، فان هذا الموقف هو بمثابة مناورة سياسية مكشوفة للضغط على الرئيس الحريري للقبول بموقف "حزب الله" .

بالخلاصة ، يمكن القول ان مبادرة الرئيس عون السياسية فتحت نافذة ضوء في عملية تشكيل الحكومة ، لكن يبقى التعويل على موقف "حزب الله" وفريق 8 آذار الذي استعاد زخمه السياسي . فهل تولد الحكومة الجديدة قبل مطلع العام الجديد ؟

بسام غنوم