العدد 1336 / 7-11-2018
بسام غنوم

توقفت عملية التشكيل الحكومية عند فاصلة ونقطة كما يقولون ، فالرئيس الحريري يعتبر نفسه الممثل الشرعي والوحيد للمسلمين السنة في لبنان ، ولا مجال لأي تمثيل آخر في حكومة الوحدة الوطنية ما لم يكن من تيار المستقبل ، ولذلك بعد اعلان "حزب الله" تمسكه يتمثيل حلفائه من النواب السنة المستقلين قام بحزم حقائبه وسافر الى فرنسا بحجة مناسبة خاصة فيما يعلم الجميع ان سفر الرئيس الحريري الى فرنسا هو رسالة احتجاج شديدة اللهجة على موقف "حزب الله" من تمثيل النواب السنة المستقلين في الحكومة العتيدة .

وفيما تبدو المواقف من عقدة تمثيل السنة المسقتلين تبدو متباعدة ويغلب عليها طابع السلبية من مختلف الأطراف في ظلّ تمسك كل طرف بموقفه، برزت امور لافتة على الصعيد الشعبي كان يعتقد انه تم تجاوزها بفعل "التسوية السياسية" التي تحكم العلاقات بين مختلف الاطراف ، ولا سيما بين الرئيس الحريري و "حزب الله" الذي يصر على أن علاقته مع الحزب قائمة على قاعدة "ربط نزاع" بين الطرفين ، وأن "ربط النزاع" مع الحزب هو ضروري من أجل حماية الأمن والاستقرار في البلد على مختلف الصعد ولا سيما على صعيد العلاقة بين الطائفتين السنية والشيعية .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا العودة الى سياسة التحريض الطائفي ، ولماذا لا يتم توزير نائب من سنة 8 آذار من باب "ربط النزاع" القائم بين الرئيس الحريري وحزب الله ؟

البداية أولاﹰ من قضية اليافطات التي غطت معظم المناطق اللبنانية ولا سيما عند مداخل العاصمة بيروت ، والتي حملت شعارات لافتة منها على سبيل المثال :"انت الزعيم والباقي فاصلة 8" ، والمقصود بالزعيم طبعاﹰ الرئيس الحريري ، "الرئيس الحريري ينهي ... ولا ينهتي .." ، "الحق معك .. وكلنا معك" ، "الله معك .. كلنا معك .." ، "لا وطن بدون حكومة ولا حكومة من دون سعد" ، وغيرها من الشعارات التي تحمل طابع التحريض الطائفي والسياسي ، وكان لافتاﹰ ايضاﹰ أن هذه اللافتات ليست موقعة من تيار المستقبل مثلما كان الحال في الانتخابات النيابية حيث تم رفع شعار "نحن الخرزة الزرقاء" وانما باسم مخاتير وأهالي المنطقة الفلانية ، والعشيرة الفلانية ، والعائلة الفلانية وهو ما قد يزيد الاحتقان الطائفي والشعبي اضطراباﹰ ، ويذكرنا بالفترة السابقة لأحداث الثامن من أيار 2007 وما تلاها من أحداث مؤسفة في بيروت وبعض المناطق اللبنانية .

وهنا نسأل : هل العودة الى سياسة النحريض الشعبي والطائفي هي المدخل السليم لحل الأزمة الحكومية ؟ ، هل يعتقد الرئيس الحريري وفريقه السياسي ان الضغط الاعلامي والشعبي على "حزب الله" سيدفعه لاي التراجع عن موقفه من تمثيل النواب السنة في الحكومة ؟ ، ألم تتم تجربة مثل هذه الامور قبل 8 أيار 2007 وكانت النتيجة كارثة سياسية على أهل السنة ما زالوا يدفعون ثمنها على صعيد التمثيل في الحكومة والعلاقة مع باقي الطوائف اللبنانية ؟

وبالعودة الى موضوع تعليق تشكيل الحكومة بسبب رفض الرئيس الحريري البحث في موضوع توزير نائب من النواب السنة الحلفاء "لحزب الله" ، فهذا الموضوع لم يكن وليد ساعة كما يقول اعلام تيار المستقبل والرئيس الحريري ، فمنذ بداية المشاورات لتشكيل الحكومة كان "حزب الله" يطرح الموضوع ، وكان النواب السنة يتحركون من أجل تمثيلهم في الحكومة ، الا أن الرئيس سعد الحريري كان مصراﹰ على تجاهلهم ويرفض اللقاء معهم ، وكذلك الحال مع الرئيس ميشال عون الذي كان يعتقد هو والرئيس سعد الحريري أن ما يسمى ﺑ"العقدة السنية" هو مجرد تكتيك سياسي من "حزب الله" من أجل تحجيم تمثيل حزب القوات اللبنانية في الحكومة ، وهذا ما تحقق بعد أخذ ورد امتد لخمسة أشهر ونيف ، وهذا ما قاله الرئيس عون في اطلالته التلفزيونية بمناسبة الذكرى الثانية لتوليه رئاسة الجمهورية حيث وصف العقدة السنية بأنها :"تكتيك يضرب استراتجيتنا الكبيرة" . وهو مالم يوافق عليه "حزب الله" الذي أكد على لسان الشيخ نعيم قاسم أن "مسألة تمثيل السنة المستقلين أمر ضروري" وأضاف "هذه الحكومة لاتكتمل الا اذا تم تمثيل السنة المستقلين على قاعدة أن الجميع تم تمثيلهم والاتفاق معهم والبحث عن حلول مختلفة" .

باختصار ، مادام البلد مازال قائماﹰ على "اتفاق الدوحة" الذي تلا احداث 8 أيار 2007 ، وما تنتج عنه من اتفاقيات وتسويات وأعراف سياسية جديدة ، فلا مبرر على الاطلاق لتأخير تشكيل الحكومة بسبب الخلاف على مقعد وزاري للسنة المستقلين ، وكما يقال "من شرب البحر" في 8 أيار 2007 ، وما تبعها من تسويات في ما يخص رئاسة الجمهورية و"الثلث الضامن" في الحكومة وغيرها من الأمور ، عليه "أن لا يغصّ" بتمثيل وزاري في حكومة الوحدة الوطنية ، الا اذا كان الهدف من كل مايجري أمور أخرى لا يعرفها الا الرئيس سعد الحريري .

بسام غنوم