العدد 1342 / 19-12-2018

بقلم : وائل قنديل

في اللحظة التي تقرّر فيها المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي استمرار تجميد أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك وعائلته، المهرّبة إلى بنوك سويسرا، تخترع محكمة مصرية قضية جديدة لمصادرة أموال مزعومة للرئيس المنتخب، محمد مرسي، ومعاونيه.

المعنى المباشر لهذه المفارقة إن نظام عبد الفتاح السيسي، وريث نظام حسني مبارك، مدفوعًا برغبةٍ مجنونةٍ في الإيذاء، يسعى بعد خمس سنوات من التنكيل والبطش، إلى محاولة تجريد الرئيس مرسي من فضيلة طهارة اليد وبراءة الذمة، كرهًا في قيمة التعفّف والنزاهة، خصوصًا أن هذا النظام يدرك، قبل غيره، إن آخر ما يمكن اتهام ضحاياه به هو الفساد المالي.

لا تنفصل هذه الرغبة عن محاولات محمومة للنيْل من المكانة العلمية للرئيس مرسي، دفعتهم للنيْل من قيمة العلم.

والسؤال هنا: هل يكره عبدالفتاح السيسي العلم في ذاته؟ أم أنه يضمر له العداء، كونه جاء إلى الحكم منقلبًا على رئيس، يصنف أحد العلماء الأفذاذ في تخصصه؟ يمكنك أن تطالع مسيرة الرئيس الأسير، محمد مرسي، العلمية على مواقع الإنترنت، وستجد لمحات وإشارات كثيرة على نبوغه في مجال هندسة المواد، ومنها أنه حصل علي منحة دراسية من بروفسير كروج من جامعة جنوب كاليفورنيا لتفوقه الدراسي , وعمل مدرسًا مساعدًا في جامعة جنوب كاليفورنيا في هندسة المواد، وحصل علي الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم عمل أستاذًا مساعدًا في جامعة كاليفورنيا (نورث ردج) بين عامي 1982- 1985. وزاول التدريس في جامعة لوس انجليس، وله عشرات الأبحاث في معالجة أسطح المعادن، وأجرى تجارب واختراعات لنوع من المعادن، يتحمل السخونة الشديدة الناتجة عن السرعة العالية للصواريخ العابرة للفضاء الكوني.. وستقرأ أيضًا أنه طلب منه الاستمرار في العمل في الولايات المتحدة مع وكالة ناسا، لكنه آثر الرجوع، لإيمانه باحتياج مصر لكل علمائها.

ستجد كثيراﹰ من ذلك متناثرًا هنا وهناك على محرّكات البحث، لكن تبقى شهادة أهم من واحد من علماء مصر النابغين، المطرودين من جحيم الحكم الانقلابي في مصر، هو الدكتور عصام حجي، أحد الباحثين المرموقين في أبحاث الفضاء، تبقى شهادته عن قيمة الدكتور محمد مرسي ومكانته العلمية واجبًا لا يصح كتمانه، أو تأجيله، في ظل حملاتٍ مسعورةٍ لا تتوقف، تنال من مكانة الرجل العلمية، وأظنه لا يكتمها وهو يتابع، عن بعد، مشروعًا قوميًا يقوده عبد الفتاح السيسي لإهانة العلم واحتقار العلماء والتنكيل بهم.

هذه الشهادة مطلوبة وضرورية، في هذا التوقيت بالذات، لكي يفهم الناس لماذا يبدو الجنرال السيسي منشغلًا بازدراء العلم والدراسة، على هذا النحو الذي يتخذ شكل اللوثة.

وعلى ذكر الشهادات، هناك شهادة أخرى مطلوبة، وأكثر إلحاحًا، تتعلق بنظافة يد الرئيس المخطوف في السجن، ممنوعًا من الكلام والدفاع عن نفسه، بينما الأوغاد يخترعون كل يوم قضيةً تستهدف الطعن في ذمته المالية، وتسعى إلى مصادرة كل ما يملك من حطام الدنيا القليل، بعد أن صادروا حريته، واختطفوا موقعه، الذي وصل إليه بإرادة الجماهير الحرة، في حكم البلاد.

وأظن أن أحدًا ليس مؤهلًا للإدلاء بهذه الشهادة، مثل الدكتور محمد محسوب، الذي عمل وزيرًا للشؤون القانونية عدة أشهر في ظل رئاسة الدكتور محمد مرسي، إذ تتواتر الأخبار عن أن مصر تدين لأول رئيس منتخب لها براتبه عن الأشهر التي تولى فيها رسميًا منصب رئيس الجمهورية، ورفض أن يتقاضى راتبه، الذي لم يكن يتجاوز 45 ألف جنيه مصري، أي أكثر قليلًا من ألفي دولار.

هنا، لا يجب أن يحول الخلاف السياسي دون فضيلة الإنصاف العلمي، والأخلاقي، لرجل اختار ألا يحني رأسه أمام عاصفةٍ محملةٍ بكل أتربة الشر والكراهية لكل ما هو إنساني. وقال، في اللحظات الأخيرة قبل الأسر، لكل الذين تردّدوا على الاتحادية من المنتمين للثورة "لما تلاقو دمي سايح في الاتحادية لن أتراجع بس انتو كملوا".