العدد 1343 / 2-1-2019

ربما لم يمر العرب، على مدى تاريخهم، بمرحلة من الضعف والهوان كالتي يعيشونها الآن. ولعل الناظر إلى أحوال العرب، في مختلف أوطانهم، يدرك ذلك، بل ربما تنتابه حالةٌ من اليأس، بأن أمة كانت يوما عظيمة لا يمكن لها أن تنهض من رقادها هذا إلا بمعجزة، ولعلها المعجزة نفسها التي نفخت فيهم الروح قبل أكثر من 1400 عام .

منذ انهيار الخلافة العثمانية، بدايات القرن الماضي، وبدايات تشكل الأوطان الجديدة التي منحها المستعمران البريطاني والفرنسي، وقادة تلك الأوطان يجتهدون في إيجاد الأعداء. بدايةً، كان العدو هو المستعمر، البريطاني والفرنسي. ثم جاء عدو جديد، ما كان له أن يكون أو يوجد، لولا أن أولئك القادة ممن نصبّهم المستعمر، تهاونوا وتخاذلوا، بل وخان بعضهم بعضا، فكانت دولة الكيان الغاصب "إسرائيل". وعلى الرغم من تلك العداوة التي كانت ظاهرة بين الكيانات العربية وإسرائيل الوليدة، إلا أنهم كثيراً ما كانوا يجتهدون بالتآمر على بعضهم بعضا، ويتناسون من يسمونه عدوهم الأول، وقضيتهم المركزية، فلسطين التي صارت فلسطينات، بفعل تنمّر إخوة العرق والأرومة الواحدة، فلحقت بها بغداد والشام واليمن وليبيا.

ولعل جردة حساب سريعة بشأن علاقات العرب بعضهم ببعض، وعلاقاتهم السرية والعلنية مع من ينعتهم قادة العرب أعداء يؤكد أن لا أعداء للعرب سوى العرب.

لم يعد هناك من عاقلٍ يقتنع أن إسرائيل عدوة السعودية، وأن قطر جارة وشقيقة للسعودية. ولا يمكن أن تقنع أحدا بأن إسرائيل عدو للإمارات، والأخيرة تتآمر ليل نهار على قطر، كما لا يمكن أن نقنع حتى صغار العقول بأن مصر تخطط للانقضاض على العدو الأكبر لها، إسرائيل، في حين أن جل انشغالات مصر اليوم هي كيف تنفذ أجندات من يدفع لنظامها "الرز" المال، فكانت طائرات مصر العروبة تدكّ ليبيا، وتشارك في عملياتٍ مشبوهةٍ في السودان، وتفرض قواتها حصارا على غزة، في وقتٍ لا تسمع إعلاماً مصرياً يذكر بسوء جارة السوء التي كانت ذات يوم عدوا للقاهرة، والتي دفع خيرة الشباب المصري دماءهم ثمناً في الدفاع عن أرضهم ضد إسرائيل.

والقائمة تطول، والألم يكبر، وأنت تجوب ساحة الصراعات العربية العربية التي وصلت إلى مرحلةٍ مخجلة، وبات من النادر أن يتذكر العرب أعداءهم الحقيقيين في غضون صراعاتهم مع بعضهم بعضا. وقد كشف الربيع العربي مستور الأمور، وكشفت الثورات الشعبية أن الأنظمة العربية، ومنذ وجدت، كانت تتآمر على تلك الشعوب، ويتآمر بعضها على بعضها الآخر، وأن الشعارات ضد أعداء العرب إنما كانت للتهييج والتحشيد فقط، لا يتعدى صداها المنطقة التي تخرج منها.

نعم، هناك ضعف عربي عام وشامل وكبير، وهناك هوة ساحقة، سقطت بها هذه الأمة. ولكن حتماً ليس بسبب أعدائها وحسب، وليس بسبب حنكة وذكاء كل من يريد أن ينال من هذه المنطقة وشعوبها ويصادر ثرواتها، وإنما بسبب تلك الأنظمة التي ما وجدت إلا لتكون حبلاً سرياً لديمومة نهب ثروات

هذه الأمة، والإبقاء على شعوبها تحت رحمة وسطوة أنظمة قمعية لا تعرف للإنسان قيمة، ولا للحرية معنى.

قبيل الثورات العربية التي اندلعت عام 2011، تشكّل وعي عربي كبير، أسهم في تفجر موجة الثورات العربية. وعلى الرغم من الثورة المضادة التي قادتها دولٌ خليجية ، خشية وصول رياح التغيير إليها، إلا أن الوعي اليوم أكبر.

لقد ركنت الشعوب في مرحلة ما بعد الثورات، وكانت تعتقد أنها نجحت في استعادة هويتها وحريتها وكرامتها وثرواتها المنهوبة، وفاتها أن الثورة لم تكتمل بعد، وأن طريقها بحاجةٍ إلى نفس أطول ووعي أكبر، لكنها اليوم بدأت تستعيد وعيها، وبدأت مرحلةٌ جديدةٌ من هذا الوعي تتشكل.

لقد أسهم حصار قطر، إلى حد كبير، بعملية إعادة تشكيل الوعي العربي الشعبي، فمنذ بدأت قطر تتحرّر من قيود التبعية لمجلس التعاون الخليجي، وهي تعزف منفردةً على وتر الشعوب، وهذه المرة بطريقةٍ أجمل، فلم يعد أمام الإعلام المدعوم قطرياً خط أحمر، وبات يفتح كل الملفات بتجرّد وحيوية، الأمر الذي أعاد إلى الشعوب العربية نبرة التحدّي، وأكسبها من جديد حيوية وتدفقاً، ما فتئ يكبر، ولعل ما يجري في السودان اليوم إشارة لافتة، يجب أن تقرأ جيداً.

العرب أكبر أعداء العرب. ومن يبرز هذه العداوات، ليس الشعوب، وإنما الأنظمة التي تسلطت على الشعوب. لذا فإن بوادر المرحلة الثانية من ربيع العرب قد لا تكون بعيدة، خصوصا أن أركان الثورة المضادة، السعودية والإمارات، يعيشان الأزمة تلو الأزمة، وما عاد بالإمكان تمويل ثورة مضادة جديدة، في ظل تلك الأزمات التي يعيشونها.

إياد الدليمي