العدد 1347 / 30-1-2019

مع احتدام المعركة الانتخابية في الكيان الصهيوني، وتكالب أحزابه على الفوز بأكبر قدر ممكن من أصوات الجمهور؛ يبرز "قطاع غزة"، كأحد الملفات "المُؤثرة"، و"المتأثرة"، في آن معا.

فداخل جبهة "اليمين الإسرائيلي"، تحاول الأحزاب اليمينية، الحصول على أكبر قدر من أصوات الجمهور المتطرف، مستخدمة "غزة" مجالا للمزايدات السياسية ضد بعضها البعض.

تبرز المنحة المالية التي تقدّمها دولة قطر لموظفي قطاع غزة، حيث تسعى أحزاب مثل "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، و"اليمين الجديد" بزعامة نفتالي بينت، لإبراز تطرفها (الزائد) عبر معارضة نقل رئيس حكومة الاحتلال، وزعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، هذه الأموال للقطاع.

كما يطالب الحزبان، بتوجيه ضربة قاصمة لـ"حماس"، متهمين نتنياهو بالاستسلام للحركة المقاومة.

ويرى المراقبون أن نتنياهو تأثر بهذا الخطاب، وأوقف "مؤقتا" نقل المنحة القطرية عدة مرات، كي يحافظ على تأييد الجمهور المتطرف لحزبه، وللضغط على حماس سياسيا في ذات الوقت.

ودفع هذا الموقف من نتنياهو، حركة حماس، إلى رفض استلام المنحة القطرية، احتجاجا على ما قالته إنه "سياسة الابتزاز الإسرائيلية، وعدم الالتزام بتفاهمات التهدئة".

وقالت حماس، على لسان خليل الحية، نائب رئيسها بغزة، في مؤتمر صحفي:" نرفض استقبال المنحة القطرية الثالثة، ردا على سلوك الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولته ابتزاز شعبنا، والتملص من تفاهمات التهدئة التي رعتها مصر وقطر والأمم المتحدة".

وتزامن قرار حماس، مع إعلان هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، نبأ سماح الحكومة بنقل الأموال القطرية لقطاع غزة، استجابة لتوصية الدوائر الأمنية، بغرض "استمرار الهدوء في المنطقة الحدودية".

وحتّى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نيسان القادم، لا يتوقع محللون سياسيون أن تتغير السياسة الإسرائيلية المتبّعة مع قطاع غزة والقائمة حاليا على تفاهمات "التهدئة" التي ترعاها أطراف إقليمية ودولية.

وفيما يتعلق برفض "حماس" استقبال المنحة القطرية، يتوقع المحللون أن تتدخل وساطات إقليمية ودولية، لإيجاد حل يرضى الطرفين (حماس وإسرائيل).

المنحة القطرية

وفي تشرين الأول 2018، قررت دولة قطر تقديم دعم لقطاع غزة، بقيمة 150 مليون دولار، كمساعدات إنسانية عاجلة، للتخفيف من تفاقم المأساة الإنسانية في القطاع.

وتشمل المساعدات القطرية شراء وقود لمحطة توليد الكهرباء؛ وتقديم 15 مليون دولار شهريا، كرواتب لموظفي القطاع، ومساعدات للأسر الفقيرة.

وتم تقديم المنحة المالية لموظفي القطاع مرتين، عن شهري أكتوبر/تشرين أول، ونوفمبر/تشرين ثان، فيما لم يتم دفعها حتى الآن عن شهر ديسمبر/كانون أول، بسبب قرار المنع الإسرائيلي.

وجاء الدعم القطري، ضمن تفاهم غير مباشر، تم التوصل له مؤخرا بين حركة حماس وإسرائيل، وبوساطة قطرية ومصرية وأممية، بغرض التوصل لتهدئة في القطاع.

ومنذ نهاية آذار 2017، ينظم الفلسطينيون في قطاع غزة، مسيرات قرب الحدود للمطالبة بفك الحصار، قابلتها إسرائيل بعنف شديد.

خلدون البرغوثي، الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي، يرى أن إسرائيل تستخدم ملف المنحة القطرية في جانبين اثنيْن.

الأول الأمني، حيث تستخدم إسرائيل كـ"دولة" ملف المنحة القطرية كأداة للضغط على حركة "حماس"، من أجل العودة للهدوء.

وأما الثاني، فهو يتعلق بالجانب السياسي، حيث تستخدم في المعركة الانتخابية الدائرة.

ويضيف:" تحاول الأحزاب الاسرائيلية ضمن الحملة الانتخابية والصراع الداخلي على أصوات الناخب الاسرائيلي، استغلال كيفية التعامل مع المنحة المقدّمة لغزة، ضد المنافسين".

ويتابع:" يوجّه كل من ليبرمان وبينت، سهام نقدهم المباشر لنتنياهو، فيما يتعلق بالمنحة القطرية؛ كما أن شعاراتهم الانتخابية قائمة على قضية غزة واستهداف حماس، وتركيعها".

ورغم تلك التناقضات، إلا أن البرغوثي يعتبر أن حركة "حماس" تدير تلك المعركة بطريقة "ذكية من خلال وسائل ضغطها على إسرائيل في ذلك الجانب المتعلق بوقف إدخال المنحة القطرية".

فترسل الحركة رسائل إلى إسرائيل، وفق البرغوثي، من خلال إطلاق قذيفة مثلا أو إطلاق رصاص باتجاه الأراضي المحتلة.

ويوضح البرغوثي أن نتنياهو "موجود في أزمة انتخابية، فهو لا يريد التوجه نحو التصعيد الذي لن يكون لصالحه انتخابيا".

فيظهر في البداية موقفا متشددا، ويصدر أوامر بالرد على ذلك، بحسب البرغوثي، فيما يتراجع شيئا فشيئا ويعلن أن "الظروف الأمنية تحسّنت لذلك يمكن ادخال الأموال القطرية".

كما يحدد الوضع الأمني، طريقة إدارة ملف غزة، فإذا شعر "نتنياهو" أنه قد يستفيد انتخابيا من تصعيد محدود في مرحلة ما قد يلجأ اليه وإذا أراد التهدئة فيستطيع ضمان الأمن بغزة عبر طرق سياسية.

تداعيات رفض حماس المنحة

وعن تداعيات قرار "حماس" رفض استقبال المنحة القطرية، يقول البرغوثي إنه من الصعب على إسرائيل أن تقدّم "تنازلات في ظل المرحلة الانتخابية الحالية".

واستكمل قائلاً:" هناك الكثير من الانتقادات ضد الحكومة للسياسة المتبعة مع غزة؛ زعيمة المعارضة في إسرائيل، تسيبي ليفني اعتبرت مؤخرا أن الحكومة مستسلمة لحماس بفعل إدخال الأموال القطرية".

لكنّه في ذات السياق، يستبعد تدهور الأوضاع الأمنية وصولا لتصعيد عسكري في قطاع غزة لأن أي معركة جديدة ستنعكس سلبا على "نتنياهو" في الانتخابات؛ وذلك ما يحاول الأخير تجنبّه.

ويعتقد البرغوثي أن جهوداً قد تكون قطرية، قد تبذل في ذلك السياق من أجل عودة الوضع في غزة كما كان عليه.

وبيّن أن حركة "حماس" استخدمت رفض استقبال المنحة القطرية كورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية، من أجل إلزامها بتفاهمات التهدئة.

شروط جديدة

وديع أبو نصار، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ومن خلال قراءته لرفض "حماس" استقبال المنحة القطرية، يعتقد أن إسرائيل قد تكون وضعت شروطاً قد تكون أعقد من الشروط التي وضعتها سابقا للسماح بدخول الأموال إلى غزة.

وقال في ذلك الصدد:" المشكلة أن نتنياهو يحاول أن يلعب بهذه الورقة انتخابيا، ويبدو أنه وضع شروطا جديدة لإدخال الأموال القطرية لغزة بسبب الضغوط الداخلية عليه في تلك القضية".

وأضاف:" حماس وافقت على الشروط السابقة، كما يبدو فإن هناك شروطا اسرائيلية جديدة غير مقبولة لدى الحركة ما دفعها لرفض استقبال الأموال".

وبذلك يحاول "نتنياهو" تطويق شروط إدخال المنحة القطرية على المستوى الإسرائيلي الداخلي، كونه بات يرسل الأموال بـ"شروط أكثر صرامة"،.

ويرى أبو نصار أن عدة جهات دولية كقطر والأمم المتحدة ومصر قد تتدخل من أجل التوصل لصيغة تفاهمات جديدة حول "كيفية تمرير الأموال".

ورغم التعقيدات التي شكّلها رفض "حماس" للمنحة، إلا أن أبو نصار يستبعد اندلاع معركة جديدة بالقطاع.

لكنّه يعتبر أن الطرفيْن حماس وإسرائيل في مأزق، فـ"نتنياهو في وضع انتخابي غير سهل وأي تصعيد سيشكّل له مأزق، وأما حركة حماس فإن قبولها بالشروط الإسرائيلية الجديدة ستشكّل لها مشكلة".