العدد 1341 / 12-12-2018

بقلم: ميشيل كيلو

أنجزت روسيا في سورية مهمةً معقدةً بمزيج من العنف العسكري والسياسي، بالتفاهم مع واشنطن وأنقرة. ونفذت ما اعتبرته مهمتها بحماسةٍ تنم عن غرورٍ أملته ثقةٌ مفرطةٌ بالنفس، أوهمتها أنها تمسك بالملف السوري وأطرافه، وأن إرادتها غدت قدرا لا يستطيع أحد مقاومته.

انتهى الإنجاز العسكري بانتصار ميداني لا شك فيه، لكنه، انتصارٌ لم يوفر أوراقا سياسيةً تستطيع موسكو بواسطتها ممارسة ضغوط فاعلة على أميركا التي أنهت دعمها لها ، وقرّرت التحكم بالمآل النهائي للصراع عبر ورقتين: الامتناع عن تمويل إعادة الإعمار من دون مقابل سياسي، يتصل بطبيعة النظام القادم الذي يجب أن تكون لها فيه الحصة الأكبر، والتمسّك بالقرارات الدولية التي ليس تطبيقها في مصلحة بشار الأسد، أو يجافي مصالح الشعب السوري ومطالبه.

لا يترك هذا الوضع خيارات كثيرة لموسكو التي لا تستطيع تحدّي الوجود الأميركي شرق الفرات، وفي منطقتي التنف والزكف، ولا تفكّر بالانسحاب من سورية. كما لا تستطيع تحدّي تركيا، وإخراجها من الشمال السوري بتفرعاته المتعددة. ومع أن لها منطقة لا يتحدّاها فيها أحد، فإنها لا تشعر بالراحة، بسبب وجود إيران فيها، وتذبذب الأسد في علاقاته معها، وكثرة مشكلاتها الضاغطة، الناجمة عن وجود اثني عشر مليون مواطن سوري في المنطقة التي تشرف عليها، يفتقرون إلى كل شيء تقريبا، وقد تنتج مشكلاتٍ معقدةً معهم، بعد وقف إطلاق النار الشامل، واستمرار جوعهم وفقرهم وحاجتهم إلى منازل وأعمال، ستتحمل روسيا أعباء المسؤولية الثقيلة عنها.

ليس الوضع الحالي مريحا لموسكو، كما أن عائده السياسي محدود، بالمقارنة مع الجهد العسكري الذي بذلته، والوعود التي رتبتها عليه، سواء في سورية وجوارها العربي، أم على الصعيد الدولي الخاص بمكانتها العالمية، وعلاقاتها مع أميركا وأوروبا، وكذلك مع رغبتها في الانفراد بسورية، وتوسيع نفوذها وحضورها إلى جوارها العربي، وفرض خياراتها على المنخرطين الآخرين في الصراع عليها، في أول خروج كبير إلى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

لدى موسكو خياران ممكنان للخروج من الوضع الراهن: هجوم كبير تشنه على إدلب، يؤدّي إلى احتلال الشمال السوري، يخرج تركيا منه، يضع القضية السورية برمتها في أيدي واشنطن وموسكو وحدهما، الأمر الذي يفتح باب تعاون روسي/ أميركي/ إسرائيلي، وربما أسدي، ضد إيران، التي ستقبل عندئذ بإنقاذ نظامها عبر قبول مطالب الولايات المتحدة وأوروبا منها. والخيار الثاني فتح بازار الأسد مقابل تطبيق حل دولي بالقراءة الروسية، يعيد النظر في النظام، ويؤسّس لمصالحة وطنية سورية، بعيدا عن إيران.

بالتفاهم على إيران والأسد، وبقبول واشنطن بقاء روسيا العسكري في سورية، تنضج شروط صفقة تاريخية بين الدولتين , في مقابل فك واشنطن قبضتها عن حل سياسي، تراكمت أوراقه في يدها، ستحصل إن قبلت به على تمويل دولي لإعادة الإعمار، وقبلت الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات، في إطار فيدرالية يرحب كيانها الكردي بانتشار جيشها في أراضيه، مع إعطاء ضمانات مشتركة، روسية أميركية لتركيا في ما يتعلق بالكرد، قد تكون مناطق الرقابة الأميركية أول مظاهرها.

ليست روسيا قادرةً على إغضاب تركيا، من دون تفاهم استراتيجي مع أميركا. وليست أميركا قادرةً على التخلص من بشار الأسد، دون صفقة كبيرة مع موسكو، هي اليوم ورقتها الأقوى التي ستفتح لها المداخل التي تأخذها إلى ما خططت له: حكومة وحدة وطنية، ولكن من دون بشار، وإنتاج نظام سوري وإقليمي جديد، لا يفني فيه الغنم الروسي أو يموت الذئب الأميركي.